سورة الأنبياء - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


اقترب للناس حسابهم: اقترب يوم القيامة. من ذِكر: من قرآن. مُحدَث: جديد: لاهية قلوبهم: غافلون عن ذكر الله. أسرّوا النجوى: أخفوا حديثهم بينهم. اضغاث أحلام: الأضغاث هي الأشياء المختلطة بعضها ببعض، ومعنى اضغاث أحلام: ما كان منها ملتبسا مضطربا يصعب تأويله. بل: كلمة تُذكر للانتقال من غرض لآخر.
دنا للناس وقت حسابهم بقرب مجيء يوم القيامة، وهم غافلون عن هول ذلك اليوم، ساهون لا يتفكرون في عقابتهم.. فإن يوم الحساب آتٍ لا محالة.
ثم بين الله ما يدل على غفلتهم واعراضهم بقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ}.
ما يُنزل الله من قرآن يجدّد لهم فيه الذكر، ويُحْدِث لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ليكرر على اسماعهم التنبيه والموعظةَ لعلّهم يتعظون، الا زادهم ذلك لعباً واستهزاء. ولقد بالغوا في اخفاء نجواهم وتآمرهم على الرسول الكريم، فهل محمدٌ إلا بشرٌ مثلكم!
{أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}.
اتصدّقون محمداً وتذهبون إلى مجلس السحر وأنتم تعلمون انه ساحر!؟.
قال لهم الرسول وقد أطلعه الله على حديثهم الذي أسرّوه: إنكم وإن أخفيتم قولكم وطعنكم فيَّ فإن ربّي يَعلم كل ما يقال في السماء والأرض، لا يخفى عليه شيء.
ثم بين اللهُ خوضهم في فنون الاضطراب وعدم اقتصارهم على ما تقدَّمَ من أن النبي ساحر بقوله تعالى: {بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأولون}.
إنهم لم يثبُتوا على صفة له، ولا على رأي يرونه.... كيف يصِفون هذا القرآن، وكيف يتقونه. قالوا في أول الأمر إن محمداً بشَرٌ مثلكم، ثم قالوا إن ما جاء به سِحر، ثم قالوا إنه أحلامٌ مختلطةٌ يراها محمد ويرويها عليكم، ثم عادوا وقالوا إن هذا الذي يجيء به كذبٌ مفترى، بل هو شاعر، فإذا كان رسولاً حقيقياً فليأَتِنا بمعجزة مادية تدل على صدقه، كما أُرسِل الانبياء الأولون مؤيدين بالمعجزات. إنهم حائرون لا يدرون بماذا يصفون هذا الرسول والقرآن، فينتقلون من ادّعاء إلى ادّعاء، ومن تعليلٍ إلى تعليل، ولا يستقرون على رأي.
{مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}.
إن القرى التي أهلكناها لم تؤمن مع أنّنا أرسلنا إليهم رسُولنا بالمعجزات المادية، فأهلكناهم، فهل يؤمن هؤلاء من قومك إذا جاءهم ما يطلبون!!.
قال قتادة: قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان ما تقولُه حقاً ويسرّك ان نؤمن، فحوِّل لنا الصَّفا ذهبا. فأتاه جبريل فقال: إن شئتَ كانَ الذي سألك قومُك، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا، لم يُنظَروا (يعني أن الله يهلكهم حالا) وان شئتَ استأنيتَ بقومك، قالك بل أستأني بقومي. فانزل الله: {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ.. الآية}.


أهل الذِكر: العِلم. الجسد: الجسم ذِكركم: عظتكم. كم قصمنا من قرية: كم أهلكنا، أصل القصم الكسر. أنشأنا: أوجدْنا. أحسّوا: أدركوا. إلى ما أترفتم: إلى ما بطرتم فيه من نعيم. يا ويلنا: يا هلاكنا، يا خزينا. حصيدا: مثل الحصيد. خامدين: كالنار التي خمدت وانطفأت.
بيّن الله تعالى لهم جواباً لشُبهتهم أن الرسولَ لا يكون بشراً بقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
وما أرسلْنا قبلك يا محمد من الرسُل إلا رجالاً من البشَر نوحي اليهم الدِّينَ ليبلّغوه إلى الناس، فاسألوا أيها المنكِرون أهلَ العلم بالكتب المنزلة ان كنتم لا تعلمون.
ثم بيّن الله كون الرسل بشَرا كسائر الناس في أحكام الطبيعة البشرية فقال: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ}.
وما جعلنا الرسُلَ الذين قبلك أجساداً تخالفُ أجسادَ البشر، فقد كانوا لا يعيشون دون طعام، وما كانوا مخلَّدين، بل إنهم كغيرهم من الناس كلّفهم اللهُ بتليغ الرسالة.
قراءات:
قرأ عاصم: {نوحي} بالنون، والباقون: {يوحَى} بالياء وفتح الحاء.
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوعد فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا المسرفين}.
إنا ارسلْنا رسلاً من البشر وصدّقناهم وعدَنا فنصرناهم على المكذّبين، وأنجيناهم هم ومن آمن معهم، وأهلكنا الذين أسرفوا على أنفسهم في تكذيبهم برسالة أنبيائهم.
وبعد أن حقق اللهُ رسالته صلى الله عليه وسلم ببيان أنه كسائر الرسل الكرام- شرع يحقق فضل القرآن الكريم، ويبيّن نفعه للناس.
{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.
لقد أنزلنا إليكم القرآن ورفعنا فيه ذِكركم أيها العرب، وفيه مجدكم وعِظَتُكم بما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق، وفاضل الآداب وسديد الشرائع والأحكام، أفلا تتفكرون؟، ومَنْ هم العربُ لولا القرآن؟ هو الذي جعلهم أمةً ذاتَ حضارة ودين قويم، بعد أن كانوا خاملين يعيشون في ظلام الهمجية والجاهلية.
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ.....}.
والقصمُ أشدُّ حركات القطع، والتعبيرُ به يشير إلى شدة وقع الضربة على تلك القرى.
وكثير من أهل القرى أهلكناهم بسبب كفرهم وتكذيبهم لأنبيائهم، ثم أنشأنا بعد إهلاكهم أُمماً أخرى أحسنَ منهم حالاً ومالاً.
ثم بيّن حالهم حين حلول البأس بهم فقال: {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ}.
فلما أيقنوا أن العذابَ واقعٌ بهم لا محالة سارعوا إلى الهروب، فخرجوا منها يركضون.... ولكن إلى اين!
{لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}.
يُقال لهم على سبيل الاستهزاء والتهكم: لا تهربوا أيها المنكرون، فلن يعصِمكم من عذاب الله شيء، ارجعوا إلى ما كنتم فيه من نعيم وترف ومساكن طيبة، لعلّكم تسألون عن ذلك كلّه فيم أنفقتموه.
{قَالُواْ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.
حين يئسوا من الخلاص قالوا: يا هلاكنا إنّا كنا ظالمين. بهذا كانوا يحاولون التوبة والاعتذار، ولكن فات الآوان. {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} فما زالوا يردّدون هذه المقالة، ويصيحون بها حتى جعلناهم بالعذاب كالزَّرع المحصود، خامدين لا حياة فيهم.


نقذِف: نرمي. فيدمغُه: فيُبطله ويمحوه. ومن معاني الدمغ: الكسرُ والشجّ. زاهق: زائل، هالك. ومن عنده: يعني من عند الله، وهم الملائكة. ينشرون: يحيون، انشر أحيا. ولا يستحسرون: لا يتعبون. لا يفترون: لا يضعفون؛ ولا يتراخون.
{وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ}.
لقد خلق اللهُ سبحانه هذا الكون لحكمة عنده، لا لعباً ولا لهوا... خَلَقَه بنظام محكَم، وصنعٍ بديع. فتكوينُ العالم وإبداع هذا الخلق مؤسس على قواعدَ أصيلة، وغايات جليلة محكمة.
{لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}.
ولو أراد الله تعالى ان يتخذ لهواً لاتخذه من عنده، ولكن هذا مستحيل عليه، ولن يفعله، ولا يليق به. وانما خَلَقَنا اللهُ لحكمة، وصوَّرَنا لغايةٍ سامية.
{بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ}.
بل أمْرُنا الذي يليق بنا أن لا يكون هناك لهو، وإنما هو جِدٌّ فنقذف الحقَّ في وجه الباطل فيمحوه ويبطله، فإذا هو هالك زائل، والويلُ لكم أيها الكافرون من وصفِكم ربكم بصفاتٍ لا تليق بهن وافترائكم على الله ورسوله.
هذه هي سُنّة الحاية الأصلية، الحقُّ دائما يعلو، واذا تفشّى الباطل وعلا امره فانما يكون ذلك من تقصير منا، وتخاذلٍ في أمرنا، وبعدٍ عن ديننا، وفي الحديث الشريف: «للباطل صولة ثم يضمحلّ».
{وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ}.
للهِ وحده كل ما في هذا الكون خَلْقاً ومُلْكا، فمن حقه وحده أن يُعبَدَ. والملائكة عنده يعبدونه حقاً ولا يستكبرون عن عبادته والخضوع له، ولا يكِلّون ولا يتعبون.
{يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ}.
فهم دائبون في العبادة ليلَ نهار، لا يتخلَّل تسبحّهم وتنزيههم لله فتورٌ ولا ملل.
{أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ}.
بل عبدوا غيرَ الله، واتخذوا آلهةً من هذه الأرض من الأصنام وغيرها. كيف يعبدون هذه الأصنام وهي لا تستطيع إعادة الحياة!
ثم أقام الدليلَ العقلي على التوحيد ونفيِ تعدُّد الآلهة فقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا}.
لو كان في السموات والارض إله آخر غير الله لوقع الاضطرابُ والفساد في هذا الكون، واختلّ النظام فيه بتعدد الآراء، واختلاف الأوامر.
{فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ}.
فتنزيهاً لله ربّ العرش المحيط بهذا الكون، عما يقول هؤلاء المشركون.
{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
الله تعالى هو الحاكم المطلق، لا معقّب لحكمه، وإرادته طليقةٌ لا يحدّها قيد من إرادةٍ اخرى، فهو لا يحاسَب ولا يسأل عما يفعل، فهو الحكيم العليم، لا يخطئ في فعل شيء، والخلقُ جميعهم يُسألون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5